تقارير وتحقيقات
العقال والعباءة العراقية.. تاريخ طويل لأصالة الرجال وكرامتهم
تواجهُ العديد من الأشياء القديمة والتراثية حالة الانقراض والاستغناء عنها شيئاً فشيئاً بفعل تطور الحياة المتسارع وتغيّر رغبة الناس وحاجتها لها، إلاّ انّ هذا الموضوع يصبحُ مختلفاً جداً مع (العباءة العراقية والعقال) اللذين يمثّلان قيمة عالية لدى الرجال حيث بقيا كما هما على أصالتهما المعهودة بعدّهما الزيّ العربي الذي يرتديه رجل المضايف ويعتزّ به خلال استقباله لضيوفه أو مشاركته في المحافل والفعاليات العشائرية المختلفة. وازدادتْ أهميّة هذا الزيّ الأصيل نسبةً لطبيعة المجتمع العراقي الذي يُعرف بنسيجه العشائري ومحافظته على كل ما يرتبط بالتراث والموروث الشعبي الذي يتوارثه الأبناء عن الآباء، وبذلك ظلّ هذا اللباس الشعبي كما هو يشمخ بشموخ صاحبه ومرتديه، حيث أنّ العقال يعدّ رمزاً للقيم المثلى والكبرياء والكرامة التي يحملها الرجل. وبالنسبة للعباءة الرجالية فلها مكانتها هي الأخرى عند مرتديها وتختلف بين محافظة عراقية وأخرى، وهي على نوعين (صيفية وشتوية) نسبة للنسيج المستخدم في صناعتها والذي يستخرج ويغزل من الصوف وخاصة (صوف النعاج) ذي الألوان المختلفة، وأما أشهر أنواع العباءات فهي ما تسمّى بالعباءة النجفية نسبة لصناعتها اليدوية في مدينة النجف الأشرف.
سلطنا الضوء سريعاً على هذا الموضوع وكان لنا لقاء مع الحاج رسول حسن العبايجي صاحب محال لصناعة العباءة الرجالية في النجف حيث قال: “تُعدّ العباءة النجفية اقدم أنواع العباءات الرجالية، حيث توارثنا صناعتها منذ حوالي (300 سنة) عن آبائنا وأجدادنا، حيث يتم غزل خيوطها وصناعتها يدوياً وبـ (10 ألوان) منها الأسود والتمري وبقية الالوان الاخرى”، مضيفاً، “يتم استخدام خيوط الصوف في صناعة نسيج العباءة، وتستغرق حوالي (10 أيام) لحياكتها و(10 أيام أخرى) لخياطتها، حيث يتم غزل الصوف على شكل خيوط رفيعة ثم تتم الحياكة، وفي الوقت الحاضر البعض يستخدم النسيج الصناعي المخلوط بمادة النايلون ولكنه غير محبب عندنا في النجف ونفضل استخدام الصوف فقط، او الاعتماد على ما تنتجه معامل النسيج في المحافظة من نسيج (الغزل والصوف)”. ويتابع حديثه، ان “العباءة قد تكون سميكة وقد تكون خفيفة وهذا يتبع خيوط النسيج المستخدمة ولكن العباءة كلما كانت خفيفة كلما كان السعر مرتفعاً والذي يبدأ من (200 ألف دينار) ويصل السعر إلى (مليون ونصف مليون دينار عراقي)، أما أكثر الألوان رغبة هي اللونين الأسود والأحمر، وهنالك نقوش معتمدة لحياكة العباءة تختلف بين محافظة وأخرى”. ويشير العبايجي إلى ان “أبرز أصحاب المحلات لبيع العباءة الرجالية في النجف هم آلبو شنون والحاج مهدي وبيت شلاش المشهورين بالحياكة وآلبو راشد المشهورين بالخياطة، أما أبرز المعامل فهي معمل الانعاش ومعمل مجيد عيدان ومعمل آلبو شنون ومعمل سيد عمار العوادي ومعامل اخرى”، لافتاً إلى ان “الكثير من الزبائن يحرصون على اقتناء العباءة المغزولة من الوبر وخصوصاً ما يسمى بوبر آلبو شهر”. أمّا عنْ صناعة العقال العراقي، فيحدّثنا عنه الحاج رحمن عبد الرضا تويج من محافظة النجف حيث يبيّن انّ “العقال العربي مصنوع من خيوط نسيجية واكثرها مصنوع بأيادي عراقية من صوف الماعز والمرعز (الرخل) وهذا الحيوان يوجد في شمال العراق ويمكن أن نحصل منه على صوف ناعم، وهناك الصوف مستورد، والعقال على أنواع بحسب المحافظات العراقية وأشهرها (عقال أبو الشعر) المشهور في محافظات النجف وكربلاء والقادسية ومنطقة المشخاب”. ويضيف تويج، “تستغرق صناعة العقال يدوياً ساعة كاملة، فيما تستغرق صناعتها بالمكائن الصناعية الحديثة ربع ساعة تقريباً، ولكن تبقى للصناعة اليدوية مكانتها وقيمتها لدى الناس”، مبيناً ان “اسعار العقال تختلف بحسب صناعته والمادة المستخدمة فيه وتبدأ من (7 آلاف إلى 15 ألف دينار عراقي)، ويزداد الإقبال على شرائه خلال فصل الشتاء باعتباره زيّاً متوارثاً ومنحه الدفء لمنطقة الرأس خلال ارتدائه في فصل الشتاء”. وعن قيمة ارتداء العباءة والعقال العربي في المجتمع العراقي، يقول الحاج فيصل كيطان الشرشاحي من سكنة محافظة كربلاء المقدسة: ان “كل قومية لها زيّها الخاص بها والذي يميزّها عن القومية والمجتمعات الأخرى، ومنها القومية العربية التي تشتهر بالزيّ العربي وهو العباءة الرجالية والعقال”. ويضيف ان “رجال العراق قد اهتموا منذ زمن طويل بارتداء الزي العربي، وخاصة خلال المناسبات الاجتماعية المختلفة وخلال الذهاب لزيارة الأئمة (عليهم السلام) حيثُ تأتي أهميته لما يضفي على مظهر الرجل إذ يكسبه الوقار والرفعة”. ويتابع حديثه قائلاً: “بالنسبة للعقال يقال انه جاء من العقل (اعقل وتوكل) حيث ان (أعقل) اي اعقل البعير بطرحه أرضاً ولفّ ساقه، ويروى انه قد جاء اعرابي وترك بعيره خارج المسجد وعندما دخل للمسجد عند النبي (صلى الله عليه وآله) وخرج منه فلم يجد البعير فعاد الى النبي واخبره بان بعيره قد اختفى؛ فسأله النبي هل عقلت البعير؟ فقال الاعرابي: لا، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): اعقل وتوكلّ، ومنها جاءت تسمية العقال”.