تقارير وتحقيقات
خبير فرنسي بشؤون الشرق الأوسط: الفساد في العراق بلغ مستويات خرافية
عزا الصحفي الفرنسي والخبير في شؤون الشرق الأوسط آلان غريش، الاحتجاجات التي يشهدها العراق ولبنان إلى ثلاثة عوامل رئيسية، أبرزها الفساد، مشيراً إلى أن حجم الفساد في العراق وصل إلى مستويات “خرافية غير مسبوقة”، وفيما أكد أن نظامي الحكم في البلدين فشلاً في إدارة الدولة، لفت إلى أن الأنظمة الحاكمة ومنذ زمن طويل سعت لتدمير الحياة السياسية.
وقال غريش في حوار مع موقع “DW عربية” الألماني، عن الأحداث التي يشهدها العراق ولبنان وتأثيراتها الإقليمية، وبرأيه فان هنالك ثلاثة عوامل وراء أزمة النظام في البلدين.
وفي رأي الخبير الفرنسي فإن أزمة النظام في كل من العراق ولبنان ورائها ثالوث مدمر، يفصله في هذه المقابلة.
جذور قديمة للأزمة
آلان غريش: اعتقد أن الازمة التي يمر بها العراق ولبنان لها جذور قديمة للغاية، لكن الجديد فيها اليوم هو أن الشعوب بدأت في رفع صوتها برفض النظام الذي يحكم ويدير كل شيء ويرفض أي محاولات للإصلاح.
بالطبع هناك أمور مرتبطة بالطائفية في كلا البلدين، لكن هناك أيضاً أزمة وتوتر في دول عربية أخرى لا توجد بها معادلة الحكم الطائفية، كما هو الحال في الجزائر مثلا.
أيضاً، يمكننا أن نلاحظ ارتباطاً بين الحراك في العراق ولبنان سواء على مستوى الشعارات أو المطالبة بإنهاء الفساد ورفض نظام الحكم، لكن رفض النظام هو أمر أكبر من مجرد مسألة الطائفية؛ فلدينا أمثلة كالجزائر والسودان ومصر وهي دول بها أنظمة لديها مشاكل شديدة التعقيد مع شعوبها.
ما أراه واعتقده هو أن لدينا مشكلة في الأنظمة التي لم يعد بإمكانها الإجابة عن أسئلة الشعوب ولم يعد بإمكانها الإدارة، ولم تعد صالحة للحكم بصيغتها الحالية. وبالنسبة للعراق فلا أعتقد أن النظام سيسقط هناك، وذلك على الرغم من أنه لا يعمل فعلياً وبات من الواضح أن لا أحد يستفيد من وجوده إلا من هم داخله فقط ومن يمسكون بالسلطة.
“فساد خرافي غير مسبوق”
يلعب مستوى الفساد في كل من العراق ولبنان دوراً كبيراً في غضب الشارعين لكن المشكلة أكبر في العراق في هذا الإطار، فالعراق بلد غني جداً بشعب فقير جداً، فالنفط العراقي يسرق يومياً بكميات هائلة.. من الذي يمكنه أن يصدق أن دولة بقدرات العراق النفطية تنقطع فيها الكهرباء بشكل شبه يومي.. هذا يعني أن الفساد هناك وصل إلى مستويات خرافية غير مسبوقة.
أيضاً الفساد في لبنان وهدر الأموال مستمران منذ مدة طويلة. ما يعني أن هناك فساداً في نظامي الحكم في البلدين وفشلاً في الإدارة وفشلاً في الوفاء بمتطلبات الشعوب وغياباً للنمو الاقتصادي، بعكس ما يحدث في دول العالم الأخرى، التي تنظر إليها الشعوب العربية عموماً وتقارن نفسها بها، إضافة إلى مشكلة عدم المساواة والفقر المتزايد.
الحقيقة أن البلاد العربية هي أكثر دول العالم التي تعاني شعوبها من عدم المساواة في الكثير من النواحي.
التدخلات الخارجية
التحركات السياسية داخل البلاد حينما تقوم بها الشعوب لا تقاد من الخارج، لكن هذا لا ينفي وجود تدخلات خارجية إلى حد ما. العراق ولبنان لديهما ارتباطات دولية لكنها ليست أبداً المحرك الأساسي للشارع وإنما الأمر أشبه بالربيع العربي في بدايته حيث يكون لدينا حركة شعبية في الشارع ثم ما يلبث أن تبدأ بعدها أطراف أخرى في محاولة الاستفادة منه بشكل أو بآخر.
الإصدار الثاني للربيع العربي
يمكننا القول بأن هذا هو الإصدار الثاني من ثورات الربيع العربي التي انطلقت في 2011 لكن المشكلة الآن هي في تصاعد العنف في التصدي لهذه الاحتجاجات وهو عنف مستمر منذ اندلاع الثورات، ما يوضح بأن ما حدث انطلاقاً من عام 2011 لا تزال جذوره موجودة إلى اليوم ولذلك فالاحتجاج والغضب مستمران، ذلك أن المشاكل التي تسببت في اندلاع الثورات منذ البداية لم تحل إلى الآن لذا فكان من المتوقع أن تستمر بل وأن تمتد لدول أخرى.
الأنظمة الحاكمة دمرت الحياة السياسية
من الممكن جداً أن ينتقل الغضب والحراك إلى دول أخرى منها مصر بما فيها من نظام قمعي وكذا المغرب، وهناك حراك في الجزائر وبدايات لديمقراطية في السودان، لكن الحقيقة هي أن مشاكل هذه الثورات هي عدم وجود بديل يمكنه الخروج بأنظمة سياسية أو أحزاب حقيقية فاعلة وسبب ذلك هو سعي تلك الأنظمة الحاكمة ومنذ زمن طويل لتدمير الحياة السياسية في البلاد حتى لا توجد بدائل أمام الشعوب، ما يجعلهم يخشون من سيناريو الفوضى إن سقطت تلك الأنظمة.
شعوب المنطقة تريد الديمقراطية والحرية، وما يزيد من حاجتها لتلك الحرية واحترام حقوق الإنسان هي تلك المستويات الهائلة من القمع الأمني تجاه أي حدث مهما كان تافهاً وبسيطاً وهو أمر يحدث على مستوى يومي فلم تعد قوات الأمن في الكثير من الدول العربية تهاجم السياسيين أو النشطاء فقط بل إن الكل فعلياً أصبح عرضة للإيذاء والاعتداء من قبل قوات الأمن بلا أدنى تمييز.
القمع والقتل سينتهي
اعتقد أن استمرار الأنظمة العربية وفق معادلة الحكم القائمة على القوة والعنف واستمرار القمع والقتل أمر مستحيل، وأعتقد أنه في وقت ما سينتهي ذلك، فمهما تصورت نظم الحكم القمعية تلك سواء في مصر أو الجزائر أو العراق أو غيرها مهما تصورت أنها نظم مستقرة فهي ليست كذلك، فلو أنت كنظام حكم تقف ضد شعبك فأنت لست مستقراً أبداً وستواجه بشكل مستمر موجات من الرفض الشعبي بدءًا من الفوضى وانتهاء بالثورة.
لابد من محاولة إيجاد سبل للمقاومة السياسية لهذه الأنظمة ربما تكون تونس الاستثناء الوحيد مما يحدث في العالم العربي، والتي تحاول بالفعل السير في طريق الديمقراطية؛ لكنها تواجه صعوبات ومشاكل اقتصادية كثيرة لكن لديها حوار سياسي عقلاني بين مكوناتها السياسية.. لابد من طرح رؤى وحلول للوصول إلى صيغ للتوافق بين الشعوب وأنظمة الحكم وإلا فإن الشعوب لن تقبل استمرار هذا الوضع إلى الأبد.