اخبار اقتصادية
متخصصون في القطاع النفطي ينتقدون وزير النفط بعد تصريحاته المتناقضة بشأن هروب المستثمرين الأجانب
اثارت تصريحات وزير النفط إحسان عبدالجبار، التي أدلى بها نهاية الأسبوع الماضي بشأن هروب كبار المستثمرين الدوليين في قطاع النفط العراقي إنتقادات كثيرة، وردت على لسان العديد من المختصين في شؤون النفط والإستثمار..
وقد أثارت تصريحات الوزير أيضاً حالة من الشكّ وعدم اليقين بشأن مستقبل هذا القطاع الحيوي المهدّد جرًاء اضطراب السياسات واستشراء الفساد في مفاصل الدولة وحالة عدم الاستقرار الاجتماعي والأمني التي طال أمدها، وجعلت العراق بلدا طاردا للمستثمرين في مختلف القطاعات.
وكان الوزير احسان عبد الجبار قد أعلن أمس الأحد بإنّ شركتيْ لوك أويل وبي.بي تريدان مواصلة العمل في العراق، وهو ما يتناقض جذريا مع ما أدلى به من تصريحات سابقة بشأن اتجاه الشركتين لمغادرة البلد الغني بموارد الطاقة. وأكّد في مؤتمر صحافي في بغداد “لنا علاقات طيبة مع بي.بي واستطعنا تسديد جميع الديون المستحقة للشركة” وكذلك الشأن بالنسبة إلى شركة لوك أويل الروسية. وتابع “بي.بي تريد مواصلة العمل في العراق وتنفيذ مشاريع طاقة مهمة في المستقبل”.
وبينما قالت مصادر بوزارة النفط إن تصريحات عبدالجبار تلك أدلى بها خلال جلسة برلمانية كان قد دعي إليها في 29 حزيران الماضي، اعتبرت مصادر عراقية أنّ تصريحاته الأولى لا يمكن أن تصدر من فراغ وربّما تعكس الحقيقة أو جزءا كبيرا منها، وأن التوضيح الذي لجأ إليه لاحقا هدفه تطويق حالة الفزع التي يثيرها الحديث عن سيناريو هروب المستثمرين من القطاع الحيوي الأوّل في العراق والمصدر شبه الوحيد لتمويل ميزانية الدولة العراقية.
ولفتت المصادر ذاتها إلى أنّ ما قاله وزير النفط يؤكّد ما راج في وقت سابق من تسريبات بشأن دخول الحكومة العراقية في محادثات صعبة مع مستثمرين أجانب في قطاع النفط بهدف إقناعهم بعدم مغادرة البلاد بعد أن أظهروا تذمّرا من صعوبة مناخ الاستثمار في البلاد وتهديد الاضطرابات الأمنية والاجتماعية لأعمالهم، في إشارة إلى الاحتجاجات الكثيرة التي شهدتها بشكل خاص مناطق وسط وجنوب البلاد وتوجّهها نحو حقول النفط ومسالك نقله وتسويقه للمطالبة بالتشغيل في القطاع وطرد العاملين الأجانب فيه.
ويرى خبراء اقتصاديون أنّ تذبذب أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة قلّل من جذب القطاع للمستثمرين في عدّة بلدان، وبشكل خاص في العراق حيث تسود حالة ارتباك سياسي وأمني في ظلّ وجود دوائر قرار مسقطة على نسيج الدولة العراقية من شخصيات مرتبطة بإيران وفصائل مسلّحة متغلغلة في المؤسسات لا تتدخل في شؤون الأمن والسياسة فقط وإنما هي مؤثّرة أيضا في القرار الاقتصادي ومتحكّمة بعدّة قطاعات تستغلها لتوفير الموارد الضرورية التي تغطي بها نفقاتها الباهظة.
وحالت المشاكل السياسية والأمنية دون تطوير القطاع النفطي العراقي. وعلى سبيل المثال يتردّد منذ أكثر من عشر سنوات هدف رفع الإنتاج اليومي للخام ليتجاوز سقف 4.6 مليون برميل، وهو أمر تسمح به نظريا المخزونات النفطية الضخمة للبلد لكنّه يصطدم واقعيا بعدّة عقبات تقنية ومادية.
وبعد الهزة النفطية الأخيرة، عندما وجد العراق نفسه مضطرا إلى تقليص إنتاجه ضمن إجراءات منظمة الدول المصدّرة للنفط أوبك للحدّ من تدهور الأسعار، اتّجه إلى التفاوض مع الشركات العالمية التي تدير حقوله النفطية على تقليص ميزانياتها لتطوير الحقول بنسبة ثلاثين في المئة في ظل عدم القدرة على المساس بإنتاجها، حيث ترتّب العقود المبرمة معها على الدولة العراقية تعويض أي نقص في مواردها المالية.
وفي ظل صعوبة تمويل تطوير القطاع النفطي يكون اللجوء إلى الاقتراض هو الحلّ الوحيد. وقد وقّعت شركة غاز البصرة العراقية الأسبوع الماضي مع مؤسسة التمويل الدولية، الذراع الاستثمارية للبنك الدولي، اتفاقية قرض بـ360 مليون دولار للاستثمار في مشاريع الغاز. والقرض من الحساب الخاص بمؤسسة التمويل الدولية بحوالي 137 مليون دولار وحوالي 180 مليون دولار لثمانية بنوك دولية، وفق بيان لوزارة النفط العراقية.
ومن جهة أخرى يتطلّع العراق إلى دخول الصين كمنافس على الاستثمار في قطاعه النفطي، لكن الخطوات الصينية في هذا المجال تبدو خجولة إلى حدّ الآن ما يجعل التعويض عن انسحاب الشركات العالمية أمرا صعبا في الأمد المنظور.
وأعلن الوزير عبدالجبار قبل أيام عن إحالة مشروع مصفاة ذي قار لتكرير النفط الخام بطاقة 100 ألف برميل يوميا إلى ائتلاف شركات استثمارية صينية. وقال في بيان صحافي إن مصفاة ذي قار ستضم وحدات إنتاجية متكاملة وسيتم بناؤها وفق أحدث معايير ومواصفات الجودة الفنية والتكنولوجية.